سورة التين - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التين)


        


{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}
{والتين والزيتون} فيها قولان: الأول أنه التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر أقسم الله بهما لفضيلتهما على سائر الثمار. روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع أصحابه تيناً فقال: لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عَجم فكلوه فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس» وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم السواك الزيتون فإنه من الشجرة المباركة هي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي».
القول الثاني: أنهما موضعان ثم اختلف فيهما فقيل هما جبلان بالشام أحدهما: بدمشق ينبت فيه التين والآخر بإيلياء ينبت فيه الزيتون فكأنه قال ومنابت التين والزيتون وقيل التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وقيل التين مسجد نوح والزيتون مسجد إبراهيم، والأظهر أنهما الموضعان من الشام وهما اللذان كان فيهما مولد عيسى ومسكنه، وذلك أن الله ذكر بعد هذا الطور الذي كلم عليه موسى والبلد الذي بعث منه محمد صلى الله عليه وسلم فتكون الآية نظير ما في التوراة: «أن الله تعالى جاء من طور سيناء وطلع من ساعد وهو موضع عيسى وظهر من جبال باران» وهي مكة وأقسم الله بهذه المواضع التي ذكر في التوراة لشرفها بالأنبياء المذكورين {وَطُورِ سِينِينَ} هو الجبل الذي كلم عليه موسى وهو بالشام، وأضافه الله إلى سينين ومعنى سينين مبارك فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل: معناه ذو الشجر واحدها سينة، قاله الأخفش وقال الزمخشري: ويجوز أن يعرب إعراب الجمع المذكر بالواو والياء وأن يلزم الياء وتحريك النون بحركات الإعراب {وهذا البلد الأمين} هو مكة باتفاق والأمين من الأمانة أو من الأمن لقوله: {اجعل هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126].


{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فيه قولان: أحدهما أن أحسن التقويم هو حسن الصورة وكمال العقل والشباب والقوة وأسفل سافلين الضعف والهرم والخوف فهو كقوله تعالى: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق} [يس: 68] وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم: 54] وقوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} بعد هذا غير متصل بما قبله، والاستثناء على هذا القول منقطع بمعنى لكن لأنه خارج عن معنى الكلام الأول. والآخر أن حسن التقويم: الفطرة على الإيمان وأسفل سافلين الكفر أو تشويه الصورة في النار، والاستثناء على هذا متصل، لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أسفل سافلين {غَيْرُ مَمْنُونٍ} قد ذكر {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين} فيه قولان: أحدهما: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والدين شريعته، والمعنى أي شيء يكذبك الدين بعد هذه الدلائل التي تشهد بصحة نبوّتك؟ والآخر أنه خطاب للإنسان الكافر، والدين على هذا الشريعة أو الجزاء الأخروي ومعنى يكذبك على هذا يجعلك كاذباً، لأن من أنكر فهو كاذب والمعنى أي شيء يجعلك كاذباً بسبب كفرك بالدين بعد أن علمت أن الله خلقك في أحسن تقويم، ثم ردّك أسفل سافلين، ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالبعث والجزاء؟ ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالعبث والجزاء؟ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين}؟ تقرير ووعيد للكفار بأن يحكم عليهم بما يستحقون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.